(( من مآسي الحياة ))
(( الوعد ))
وَرَدَ إليها محتدم العزيمة منهار القوى يتظاهر الحزن
قال : حبيبتي لقد أنهينا دراستنا الجامعيه ، وليس لدينا عمل ، أعرف أني أظلمك معي وأطلب المزيد من التأني ، لكن يا توأم الروح يد واحدة لا تصفق ، يجب أن أعمل لنحقق أحلامنا و نبني مستقبلنا .
أطمع بقليل من الصبر .
من فرط حنانها و عشقها له ماذا عساها أن تفعل ...!!! غير أنها ترق له و توافقه على سعيه خاصة وهو قابع أمامها يتصنع حزن الرحيل و في عينيه تتلألأ قطرات الدموع وعلى وجهه ارتسمت خرائط من الأسى .
قالت : نعم يا رفيق العمر سوف أخبر والدي بأننا سنأجل زواجنا قليلا .
بقلب يرفرف كالعصفور الذي حلق لأول مرة إلى كبد السماء بعد انشقاق البيضة عنه ، فقبل كفيها كالطفل الصغير الذي حصل على لعبة العيد .
قال : أعلم أن لا أحدا يفهمني كأنتي يا أنا .
ثم عرض أمامها عقد العمل الذي حصل عليه من أوروبا مؤكدا لها أنه سيسافر لأجل حياتهم معا وأن يجمعهم بيت موفر فيه كل طلباتهم
ايضا اخبرها أن موعد مغادرته البلاد بعد أيام قلائل .
بقلب شغف متصنعا الآهات والأنين ، ودعها على أمل اللقاء القريب .
أي وداع هذا ، آهٍ لو تعلم ماذا تخفي لها السنون في حقيبة الألم .
سافر الحبيب ، وبترت المسافات والحدود أقدام أخباره .
أما هي أصبحت تنتظر كل يوم ساعي البريد على أمل أن تجد بين الرسائل ما يشفي سقمها لكن بلا جدوى .
آلت أيام ، وتلتها أشهر ، وعام يغدو ويتلوه الآخر ولم تسمع عنه خبرا قط .
انتظرته وعمرها يتسلل كرحيل أوراق الشجر في خريف بارد .
رغم غيابه المتواصل وأثره الذي جرفته أمطار القدر بين أردافها رفضت وبشدّة كل من جاء لخطبتها .
بقيت على عهدها متشبثة بوعد مرّ عليه زمن كبير من الوقت ، أمضت ساعاته بالتجوال ما بين صندوق الرسائل وكلماته الأخيرة التي عزف إيقاعها على مسامعها قبيل سفره .
بعد خمسة أعوام على التوالي أقبل الطائر الغائب إلى وكره ، جاء العزيز الغالي ، وارتفعت زغاريد والدته وخواته فرحين برجوعه .
اسرعت الحبيبة المنتظرة لهذا اليوم الذي من المفروض أنه هدية السماء لها بعد صبرها ووفائها بالوعد .
ذهبت إلى النافذه التي تطل على بيتهم وقلبها يرفرف كالحمامة التي حطت على حوض السعادة لترتشف من ماء المنال والمنى ، نظرت طويلا من النافذه متسمرة كعمود كهرباء شامخ في وسط الطريق .
انتظرت هناك حتى حل عليها الظلام . لكن الواضح كوضوح الشمس في الظهيرة نسي هو أن هناك نافذة تطل على بيت محبوبته .
لم يذكرها حتى أو حاول مكالمتها وكأنها نكرة لم يكن لها وجود في حياته إلا في أحلامه .
وفي اليوم التالي كررت الوقوف عند النافذة حتى تعبت ساقيها من الوقوف و للأسف بلا جدوى ولم يمر من أمام ناظريها سوى غبار ريح ساخنه من جو صيف حار ، وذكريات أشواق معلقة على جدران بيتهم القديم كياسمينة جفت عروقها من قلة السقاء .
فهمت أخيرا أنه لم يتبقى من حبها سوى ثفل إناء كان مملوءا بالكذب . و رسائل اصفر لونها كانتظارها الموهوم وقلب كالقبر يشرف على دفن وليده الحب لحظة بزوغه من رحم الصمت والصبر .
أخذ الزمن عمرها في طيات الانتظار البائس فأيقنت بأنها مجرد ذكرى تافهة ، وجثة خامدة لا تستحق حتى التفكير بها . هي فقط امرأة كانت تملأ قدح غروره في سنوات الدراسة وتعينه على تحمل مشاق السهر ، وربما كانت تدعمه بالمحاضرات كأجندة للتذكير .
هكذا رقدت هي والماضي على سرير الأحلام ميتة الجسد والوجدان .
أما الخطيب المزعوم عاد الى أهله برفقة زوجته وولده ، أمن نفسه وكون عائلته الصغير وعاش الحلم كما ينبغي .
هي الجميلة ، الرقيقة ، المتعلمة الطيبه التي لا تكسر لشجرة الوعد غصن ، تمردت على خيرة شباب القرية بالرغم من فطنتها ونباهتها إلا وخانها ذكاؤها فتمسكت بالسراب وتجارته الخاسرة .
فضلته هو الغائب عنها جسدا وروحا وذهنا على من كان سيرفع من قدرها وشأنها .
احتل كيانها آسرها في قفص الحب فعبرت في سرداب التيه ليس في كفيها غير قبلة وداع أحمق . غرز في صبابتها خنجر الموت واعتراه الجبن ولم يكلف نفسه بأن يواجهها وينهي ما كان بينهم كالرجال فاختار الهرب و أبقاها لقدرها تبكيه ندم وحسرة .
أغمطت الدمع حقه حتى أضرم ناره على ترائبها كقداح أشتعل منه عود الثقاب . شهقت أنفاسها دامغة تملأ الأفق ، تفجر وجوم أعوام ، ثم هوت أرضا مستكينة للآآآهات و للألم .
انتهى
(( من مآسي الحياة ))
بقلمي........ / خوله ياسين
صرخ القمر وبكى الحجرs Foto.