{حقين }.............................. بقلم الأديب / محمد_نور‬

Admin عدد المساهمات : 213 تاريخ التسجيل : 06/02/2016

شذرات من أنين العصر (15)
الحقيقة أننا لا نعرف وغير ذلك فهو ..
{حقين }
[ الحلقة السادسة ]
أنا أعرف نفسي ..
هذه هي أول كذبة ، يكذبها الإنسان على نفسه ..
وهي أكثر كذبة قام بتصديقها ..
وهي الكذبة الوحيدة ، التي يكذبها ، وهو لا يعلم أنه يَكذب ..
فالحقين أن القليل جداً منا ، هو من يعرف نفسه .
الحديث النبوي الشريف يقول " من عَرِف نفسه فقد عَرف ربه " ولن أدخل هنا في جدلية مدى صحة الحديث أو سنده ، أو إذا كان حديث ضعيف أم لا ، فهذا موضوع له مجال آخر بإذن الله .
لكن ما يعنيني هنا هي دلالة الحديث ، ولو أذن الله لي بالتكلم حول هذا الحديث الشريف ، فلن يكفي هذا الكتاب للتبحر في فيض تلك ، المعاني السامقة التي يشتمل عليها ، هذا الحديث .
وإعمالاً للحكمة القائلة " ما لا يُدرك كله ، لا يُترك كله " ، سنأخذ بعض قطوف من ذلك الحديث الرائع .
أولاً : ما معنى من عرف نفسه فقد عرف ربه ؟
ثانياً : ما هو الرابط بين أن يعرف الإنسان نفسه ، وبين معرفته لربه ؟
ثالثاً : ولماذا لم يقل صلوات ربي ، وسلامه عليه من عرف ربه عرف نفسه ؟
بمعنى آخر لماذا لم يتم تقديم ، معرفة الرب أولاً قبل معرفة النفس ؟
للإجابة على السؤال الأول يجب علينا أن نعرف ماهية معرفة النفس التي تسكن بين جنبي الإنسان .. ذلك الكيان الذي له سبع درجات .
هذه الدرجات هي :
1- النفس الأمارة بالسوء .
2- النفس اللوامة .
3- النفس الملهمة .
4- النفس المطمئنة .
5- النفس الراضية .
6- النفس المرضية .
7- النفس الكاملة الصميمية الصافية .
أما النفس الأمارة بالسوء :-
فسيرها إلى .. الله - وعالمها هو .. الشهادة – محلها .. الصدر حالها .. الميل – واردها .. الشريعة – نورها .. أزرق – صفاتها .. البخل والحرص ، الأمل والكبر ، الشهرة والحسد والغفلة .
والنفس اللوامة :-
فسيرها .. لله - وعالمها هو .. البرزخ – محلها .. القلب - حالها .. المحبة – واردها .. الطريق – نورها .. أصفر – صفاتها .. اللوم والفكر ، التعجب و الاعتراض .
والنفس الملهمة :-
فسيرها .. على الله - وعالمها هو .. اللهاج – محلها .. الروح - حالها .. العشق – واردها .. المعرفة – نورها .. أحمر – صفاتها .. السخاوة والقناعة ، العلم و التواضع و التوبة .
أما النفس المطمئنة :-
فسيرها .. مع الله - وعالمها هو .. الحقيقة المحمدية – محلها .. السر - حالها .. الوصل – واردها .. الحقيقة – نورها .. أبيض – صفاتها .. الجود والتوكل ، و الحكم و العبادة .
وأما النفس الراضية :-
فسيرها .. في الله - وعالمها هو .. اللاهوت – محلها .. السرائر - حالها .. الفناء – واردها .. ليس لها وارد – نورها .. أخضر – صفاتها .. الزهد و الإخلاص ، و ترك ما يعنيه ، و الوفاء .
وأما عن النفس المرضية :-
فسيرها .. عن الله - وعالمها هو .. الشهادة – محلها .. الأخفى- حالها .. الحيرة – واردها .. الشريعة – نورها .. أسود – صفاتها .. حسن الخلق ، وترك ما سوى الله عز وجل ، واللطف بالخلق ، والتقرب إلى حضرة الله ، والتفكر في عظمته سبحانه وتعالى ، والرضا بما قسمه جل علاه .
وأخيراً النفس الكاملة الصميمية الصافية :-
فسيرها .. بالله - وعالمها هو .. كثرة في وحدة ، ووحدة في كثرة – محلها .. الخفاء - حالها .. البقاء – واردها .. جميع ما سبق – نورها .. لا لون لنورها – صفاتها .. جميع الصفات الحسنة التي سبق ذكرها .
هذه هي درجات النفس التي تقبع بين جانبي الإنسان ، ومن البديهي بالطبع أن تلك المرتبات السبع ، لا تجتمع في إنسان واحد في نفس الوقت ، بل هي مراحل وارتقاءات ، ولا يرتقي إنسان من مرتبة إلى الأعلى منها إلا بالمجاهدة والمثابرة ، وهذا لا يتأتى بين ليلة ، وضحاها .
لكن ما يُطمئن النفس أنه لا حرج على فضل الله ، طالما كان المقصود هو وجه سبحانه وتعالى ..
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ}
[العنكبوت:69]
صدق الله العظيم
وحتى يستطيع الإنسان أن يعرف في أي رتبة ، من تلك الرتب تسكن نفسه ، يجب عليه أن يراقب تلك النفس مراقبة ، حيادية .. بمعنى أن لا ينتصر لها أبداً ، بل يجب عليه أن يتهم نفسه دائماً ، وكما يجب عليه أن يختبرها اختبارات عسيرة ، ويكون حكمه عليها هو حُكم العدل والحق .
" وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا "
[سورة النساء : 79 ]
وأي عدل أحق من أن يقيمه ، الإنسان على نفسه أولاً ، قبل غيره ، وحين يُقَدّر للمرء منا أن يعرف ، أين تقع رتبة نفسه من بين مراتب النفس السبعة ، فستكون معرفته بربه في هذه ، الحالة على قدر معرفته بنفسه ، وإذا كُتِب له أن يصل إلى المرتبة العليا من تلك المراتب ، فستكون معرفته بربه في هذه الحالة ، بأعلى قدر سمح الله لعباده أن يعرفوه به .
أما من يظن نفسه أنه سيصل في يوم من الأيام ، لمعرفة رب الأرباب ، وملك الملوك المعرفة الكاملة ، فذاك هو الواهم .
فما كان لبشر أو لغيره ، أن يُحيط بمن أحاط بكل موجود، سعة وعلما . فالمقصود ب ..
" من عرف نفسه فقد عرف ربه " في الحديث الشريف ، أن معرفة الإنسان لربه ، ستكون على قدر معرفته بنفسه فقط ، لا أن يعرف المعرفة الكاملة عن واجد كل موجود .
أما عن الربط بين أن يعرف الإنسان ، نفسه ، وبين معرفته لربه ، فهذا له أهمية قصوى في طريق المعرفة ، إذ يُمكن أن يُقال أن ذلك الرابط هو بمثابة ، حلقة الاتصال والتواصل بين المرء وربه التي بدونها لن يكون هناك تواصل بين الخالق ، والمخلوق .
ذلك الرابط يُعد سر من الأسرار ..
التي استودعها الله في خلقه ..
ولم يأذن لأحد أن يعرف ..
أو أن يطّلع على ما بين الإنسان وربه ..
فذلك الاتصال مُحاط بسياج من السرية ..
لا يُمكن لمخلوق الاطلاع عليه ..
أو حتى استراق السمع لما يدور بين المخلوق ، وخالقه ..
لكن أين يقع ذلك الرابط في جسد الإنسان ؟
وما هي ماهيته ؟
هذا ما سنحاول ..
الإجابة عليه..
في الحلقة القادمة ..
إن الله تعالى .

*******
‫#‏الأديب_محمد_نور‬
${حقين }.............................. بقلم الأديب / محمد_نور‬ 12509522_491980827672467_4303857263540006431_n$